
كتب رئيس التحرير التنفيذي
تداول الشارع العراقي قصيدة من الشعر الملمع للشاعر موفق محمد، جاء في أحد أبياتها: "ما أن تخلصت من وغد بليت به.. إلا وجاءك سرسري سر مهر وأنكس".
فالعراقيون ينوؤن بثقل خمسة وثلاثين عاما، من تفرد حكم الحزب الواحد، بالحديد والنار والمعتقلات والجوع وعسكرة الشعب حتى اصبحت المدنية حلم الشاب العراقي، ومن يخلع البدلة الخاكي هاربا من الجيش يعدم في باب بيت أهله وتستوفي حكومة صدام حسين ثمن الرصاص منهم!
أي إذلال أن يدفع الأب ثمن الرصاصات التي أعدم ولده بها!؟ وكل ذنبه أنه أراد أن يعيش "شبانا تريد الهوى وصدام ما خلاها".
طيب تلك صفحة طويت وأؤلئك قوم ذهبوا.. لهم ما أنجزوا وعليهم ما إقترفوا، لماذا لم تأتِ أمريكا بشريف بعد 2003؟ لماذا سلمت لحانا بيد شذاذ الآفاق الذين إتضحوا أوطأ من صدام جورا وحزبهم أبشع من البعث صلفا.
هؤلاء الذين جاؤوا الى السلطة بعد 2003 يتذاكون وهم أغبياء، حلوا في السلطة بالمراءاة الدينية؛ فلا هم متدينون فعلا ولا سياسيون.. لم يتبعوا نهج محمد والخلفاء الراشدين، بل إتبعوا سلطان بني أمية.. يبكون على الحسين ويمشون الى كربلاء في اليوم العاشر من ذكرى إستشهاد سبط الرسول ويوزعون القيمة والهريسة بالدهن الحر والدارسين، بينما سياستهم على نهج حرملة والشمر ويزيد وعبيد الله بن زياد.
ما زالوا.. منذ سبعة عشر عاما والى الآن.. منشغلون بعب الأموال فسادا من دون أن ترتوي لديهم شهوة المال، هاملين الشعب ومشاريع الدولة، التي يرصدون لها ميزانيات مبالغ بها.. حد النكتة "علك المخبل ترس حلكه" يتسلمون الأموال، ولا ينفذون المشاريع، والبلد يتداعى وشعبه محبط وتظاهراته تسفر عن شهداء ومعوقين وتعطيل لسبل الحياة، من دون نتيجة..
ينددون بالفساد على الفضائيات، وهم حماة الفاسدين.. كلما أكل طفل من الأزبال؛ يذبح الحسين.
ما هي خطوات العراق الدبلوماسية؟ على مدى سبعة عشر عاما مضت، وما هويته السياسية، وهل دخل شبكة علاقات إقتصادية لتبادل المنفعة مع محيطه الدولي وهل عين سفيرا ذا وعي دبلوماسي، أم المناصب محصورة بـ "خال الجهال" و"إبن إخت المرة" وهل حقق منجزا خلال الأوقات القصيرة الفاصلة بين ولادة إمام ووفاة أخيه، التي تتعطل فيها الحياة، وتتجه بنات الليل مشيا الى ضريحه. فلننظر طوال سبعة عشر عاما، هل إنشئت محطة توليد كهربائي؟ أم بني مستشفى؟ ام سد جزء من نقص المدارس البالغ خمسة آلاف مدرسة في بغداد وحدها، من غير المحافظات التي يفترش تلاميذها الارض... والجرد يطول، أية خدمة لم تقدم، سوى خدمة الذات، وهم يصبون ريع النفط من الموانئ الى حساباتهم الشخصية، الت سلط إنفجار بيروت دمار على بعضها، سيصلحونه بجلد العراقيين في قوتهم.
يعتقدون أنفسهم أذكياء متشاطرين، لكنهم ليسوا سوى أغبياء متسلطين.. بإسم أفيون الشعوب.. الدين، كما أسماه لينين.
الشعب يعرف غباءهم، لكن لا رأي لمن لا يطاع.. رفضوا الاستثمارات التي قدمتها السعودية ودول عدة، في الفاو والبتروكيمياويات وسواها، لكنهم رفضوا... ولا يعرفون لماذا يرفضون... فتوجه العالم الآن الى ألأمارات التي وقعت وثيقة تطبيع مع إسرائيل "ولسوف يعطيك ربك فترضى".
المشكلة أنهم لن يبالوا بتعطل الموانئ العراقية والتجارة وتصدير النفط ولا موت أربعين مليون عراقي، ما دامت عوائلهم وأرصدتهم وأملاكهم في الخارج، وليبزلوا ما في كعب الخرج من بقايا مال يستولون عليه، بعد أن خلت خزينة الدولة وإحتياطي البنك المركزي ومنعوا أية فرصة لإستحصال المال من إستثمارات أجنبية وربطوا مستقبل ثروات الاجيال بديون واجبة الدفع لصندوق النقد الدولي. إتجه العالم الى الأمارات بعد أن حاول مع العراق ورفض أغبياؤه المتشاطرون، سيبقى العراق يمشي أربعة وعشرين مرة عند ولادة ووفاة كل أمام معصوم على حدة، الى أن يوهنه الجوع ".