أخطر الاختراقات لمناصب الدولة العليا ..
29-مايو-2021

بقلم أياد السماوي
منذ أن أطاحت القوات الأمريكية التي احتلّت العراق وأسقطت النظام الديكتاتوري القائم في التاسع من نيسان 2003 وحتّى هذه اللحظة , يعيش العراقيون نتائج عيوب تأسيس النظام السياسي الذي خلّف نظام الطاغية صدّام , .. فأمريكا التي أسقطت نظام البعث لم تقف عند حدود إسقاط النظام الديكتاتوري ومؤسساته القمعية ورموزه , بل تعدّت ذلك إلى إسقاط الدولة العراقية بكافة مؤسساتها , وهذه أول نكبة منيت بها الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921 .. وحتى عندما أسقط ثوار تموز النظام الملكي عام 1958 , كان ذلك قد تمّ بأياد وطنية عراقية , وليس من خلال قوات احتلال أمريكية أو بريطانية , فعندما سيطر ثوار تموزعلى الحكم لم يسقطوا الدولة ومؤسساتها , بل أسقطوا النظام الملكي القائم , وأعلنوا قيام الجمهورية العراقية .. حيث كان الثوار على بيّنة من أمرهم , فلم يسقطوا غير رموز النظام الموالين للنظام الملكي , وأبقوا على كافة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية قائمة كما هي .. عكس ما حصل في العراق بعد احتلاله عام 2003 وإسقاط النظام الديكتاتوري .. فهدف ثوار تموز كان معلوما وواضحا لديهم وهو إقامة النظام الجمهوري على غرار النظام الجمهوري في جمهورية مصر العربية ..
أمّا الذين جاءت بهم أمريكا لحكم العراق بعد إسقاطها النظام الديكتاتوري , فلم يكن لديهم أي تصوّر عن النظام السياسي الذي سيخلف نظام صدّام .. فأمريكا قد أعلنت رسميّا أنّ العراق بلدا محتلّا من قبل أمريكا , وبالتالي فإنّ المطلوب من القادة السياسيين الجدد أن يتعاملوا بشكل مباشر مع هذا المحتّل ويعلنوا فروض الطاعة له , وهذا ما حصل فعلا منذ اللحظة الأولى لوصول الحاكم المدني إلى العراق .. حيث بدأ ساسة العهد الجديد من هذه اللحظة ماراثون الولائم والفسنجون والهدايا الثمينة للحاكم الأمريكي القادم لوضع لبنات النظام السياسي الجديد في العراق , لغرض التقرّب والتزّلف إليه والفوز بحضوّة عنده .. ولعلّ غياب رؤية شكل النظام السياسي الذي يجب أن يخلف النظام الديكتاتوري عند كافة الأحزاب السياسية عدا الأحزاب الكردية التي حدّدت أهدافها بدّقة , هو النكبة الأكبر , بل هو أم النكبات التي أنتجت هذه الفوضى التي يعيشها بلدنا وشعبنا .. فالأحزاب السياسية الجديدة التي ظهرت بعد سقوط النظام الديكتاتوري لا تعرف ماذا تريد وليس لديها أيّة فكرة عن شكل هذا النظام الذي سيحل محل النظام الديكتاتوري , فلا الأحزاب الإسلامية التي رفعت شعار الدولة الإسلامية خلال فترة معارضتها لنظام صدّام استطاعت أن تضع هذا الهدف موضع التنفيذ وتطالب بالنظام الإسلامي الذي نظرّت له طويلا , لأنّها أصلا تفتقد لقواعد هذا النظام الإدارية والاقتصادية .. ولا الأحزاب العلمانية التي كانت تنادي بالدولة المدنية الديمقراطية القائمة على أساس المواطنة , استطاعت هي الأخرى أن تضع تصوّرا لشكل هذه الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على أساس المواطنة .. فغياب فلسفة ورؤية شكل النظام السياسي عند كافة الأحزاب السياسية التي أنيطت لها مهمّة بناء النظام السياسي الجديد , قد أنتج لنا نظاما سياسيا مشوّها لا يعرف له طعم أو لون أو رائحة غير رائحة الفساد التي غطّت كلّ زاوية من زوايا هذا النظام , وكتبت دستورا مسخا لا شبيه له في كلّ دساتير دول العالم .. ولعلّ أفضع ما أسّس له هذا النظام , هو نظام المحاصصات الطائفية والقومية والحزبية التي توافقت عليه هذه الأحزاب السياسية الفاسدة .. ونظام المحاصصات المسخ هو الذي أتاح ووفرّ الفرصة على طبق من ذهب لكلّ افّاق ولصّ ومتسلّل وجاسوس ومدّع لئيم حمل الدين خرقة بالية على رأسه لاختراق مناصب الدولة العليا .. وهنا الطامّة الكبرى .. ولعلّ الاختراق الأخطر والأكبر والأفضع لمناصب الدولة العليا , ذلك الاختراق الذي تمّ على يد العضو الجديد في فريق الدهن الحر وأبن الرفيق الذي أصبح فيما بعد رئيسا لمجلس النواب العراقي .
الجزء الثاني
في الجزء الأول من هذا المقال كنّا قد استعرضنا وإياكم بعض من أهم عيوب التأسيس التي رافقت تشكيل النظام السياسي القائم , ووقفنا عند بعض هذه العيوب التي أنتجت هذا النظام المشوّه والفاسد بكل شيء , وقلنا أنّ النكبّة الأكبر التي حلّت بالبلد بعد نكبة إسقاط الدولة ومؤسساتها بيد قوّات الاحتلال الأمريكي هي غياب الرؤية عن طبيعة وشكل النظام السياسي الذي سيحلّ محل النظام الديكتاتوري , عند كافة أحزاب المعارضة العراقية التي اجتمعت في لندن قبيل إسقاط نظام صدّام واحتلال البلد عام 2003 ببضعة أشهر , سوى الاتفاق على بعض العناوين العامة كالديمقراطية والفيدرالية وحقوق الإنسان .. وبسبب غياب هذه الرؤية عند الأحزاب الإسلامية وضبابيتها عند الأحزاب العلمانية , جاءت جميع هذه العناوين مشوّة وبعيدة عن جوهرها .. واستطيع القول أنّ الفوضى غير الخلّاقة هي العنوان الوحيد الذي حلّ محل هذه العناوين جميعا .. ومن الطبيعي والمنطقي في ظل هذه الفوضى وغياب العنوان الوطني الذي تشّظى إلى العناوين الطائفية والقومية , وانشغال القوى السياسية التي توّلت قيادة البلد بالتسابق فيما بينها في الاستحواذ على إدارة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية , أن تحصل هذه الاختراقات الخطيرة لمناصب الدولة العليا .. حيث لم تسلم أي مؤسسة من مؤسسات الدولة سواء كانت المدنية أو العسكرية أو الأمنية لمثل هذه الاختراقات .. ولعلّ الرئاسات الثلاث هي أخطر هذه المناصب العليا التي تعرّضت إلى الاختراق من قبل الجواسيس الذين جندّتهم المخابرات الدولية وكذلك تسلّل حزب البعث المجرم لهذه الرئاسات .. مقالنا لهذا اليوم سيكون مخصصا لاختراق حزب البعث المحظور لهذه الرئاسات من خلال رئيس مجلس النواب الحالي محمد ريكان الحلبوسي الذي توّلى رئاسة السلطة التشريعية في العراق ..كنت ولا زلت أعتقد أنّ وصول أبن الرفيق ( ريكان حديد الحلبوسي ) الذي قدّمته قناة الشرقية الفضائية كعضو جديد في فريق برنامج ( الدهن الحر ) , هو أخطر الاختراقات التي حصلت في نظام ما بعد 2003 على الإطلاق , ليس لأنّه شاب نزق ومهوس بالنساء والخمر والقمار والليالي الحمراء فحسب , بل أنّ خطورة هذا الاختراق تتجسّد بتوّلي حزب البعث المحظور الذي ينتمي له الحلبوسي وأبيه وأعمامه وكلّ أسرته للسلطة التشريعية في العراق .. وهذا الاختراق الخطير مكّن حزب البعث المحظور من اختراق كافة مؤسسات الدولة العراقية ووزاراتها , وخصوصا وهذا الأخطر المؤسسة العسكرية والأمنية للبلد , فرئاسة أبن الرفيق للمؤسسة التشريعية قد أعادت حزب البعث المحظور إلى المواقع الحسّاسة في جميع أجهزة الدولة , ناهيك عن عمليات الفساد والصفقات الكبرى التي عقدها وأدارها أبن الرفيق مع كافة القوى السياسية .. والأنكى والأخطر من كلّ هذا أنّه استطاع أن يحقق نجاحا باهرا في اختراق العديد من القيادات الشيعية ويقيم معها العديد من صفقات الفساد , بل ونجح أيضا في اختراق العديد من المحافظين في محافظات الوسط والجنوب , بل وحتى في مسقط رأس السماوي نفسه كما تناهى إلى أسماعي للأسف الشديد .. إنّ مسؤولية هذا الاختراق الخطير وعودة حزب البعث المجرم إلى بعض المواقع الحسّاسة في المؤسسات العسكرية والأمنية وباقي مؤسسات الدولة , تتحمّله تحديدا القيادات الشيعية البائسة والفاسدة والغائبة عن الوعي بالدرجة الاولى , يليهم في المسؤولية هو الجارة إيران التي ساهمت مساهمة كبيرة في حصول هذا الخرق الخطير .. إنّ المخرج الوحيد لتصحيح هذا الاختراق الخطير هو منع حزب تقدّم الذي هو واجهة حزب البعث المجرم من خوض الانتخابات النيابية القادمة , ومنع كافة قيادات هذا الحزب من الترشيح لهذه الانتخابات خصوصا أنّ أغلبهم من المشمولين بقانون المساءلة والعدالة .. وأي تهاون في هذا الأمر فإن ذلك سيؤدي إلى عودة البعث إلى الحكم ومن باب الديمقراطية الواسع .. ختاما نقول لقادة أحزاب شيعة السلطة .. كفى فسادا وتنّبهوا لخطورة المرحلة القادمة .
الجزء الثالث
في الجزء الثاني من هذا المقال كنّا قد عرضنا على القارئ الكريم كيف استطاع حزب البعث المحظور اختراق العملية السياسية الهشّة والتسلّل إلى رئاسة مجلس النواب من خلال أبن الرفيق ريكان حديد الحلبوسي , وأوضحنا كيف ساعد هذا الاختراق الخطير في تسلّل المئات من عناصر حزب البعث المحظور , إلى أهم المواقع والحلقات الحسّاسة في الأجهزة العسكرية والأمنية واختراقه لأهم المواقع في باقي مؤسسات الدولة ووزاراتها .. ولكن كيف تمّكن هذا الشاب الصغير بكلّ شيء من تحقيق هذا الاختراق وكيف استطاع التقرّب من الشهيدين الخالدين جمال المهندس وقاسم سليماني اللذان لعبا دورا كبيرا في إيصاله إلى رئاسة مجلس النواب ؟ وهل كان الصراع على تحديد الكتلة الأكبر بين البناء والنصر دور في تحقيق ما كان يخطّط له حزب البعث المحظور في العودة إلى السلطة ؟ ومتى تحقّق ذلك ومن الذي أبلغ الحلبوسي بأنّه سيكون رئيسا لمجلس النواب القادم ؟ ..
في أحد الأيام وبعد أن أصبح محمد الحلبوسي رئيسا لمجلس النواب , كنت قد تحدّثت مازحا مع الدكتور جمال الكربولي الذي هو الآن موقوفا عند الفريق أحمد أبو رغيف , وقلت له ( الله لا يرضا عنك يا دكتور جمال لا في الدنيا ولا في الآخرة على صنيعتك محمد الحلبوسي الذي صنتعته لنا , فكان جوابه لي , والله يا أياد لا علاقة لي بهذا الأمر أبدا والذي أوصله لهذا المنصب هو قاسم سليماني وجمال المهندس ) .. المشكلة أنّي أعلم أنّ جواب جمال الكربولي كان صحيحا , وهذا ما أكدّه لي الشهيد المهندس بنفسه بعد اجتماع فندق بابل , حيث التقيته صدفة في باحة استعلامات وزارة التخطيط , وبعد أن تبادلت التحية معه قلت له رحمه الله , هل عزمتم على تنصيب محمد الحلبوسي رئيسا لمجلس النواب ؟ فقال بدون أي ترّدد نعم , فقلت له وهل تعرفون تاريخه ؟ وحينها لم أكن أعلم أنّ هذا الحلبوسي الصغير هو أبن ذلك الحلبوسي الذي كان رئيسا للاتحاد الوطني في الجامعة المستنصرية , فكان جواب الشهيد أبو مهدي رحمه الله ( أياد أنت تعرف شي وأحنا نعرف شي , فقلت له على بركة الله ) ..
خمسة سيارات تويوتا بيكب دفع رباعي أهداها الحلبوسي الأب للحشد الشعبي عندما كان الحشد يقاتل داعش في الفلوجة , كانت هذه السيارات الخمسة التي قدّمت بعنوان التبرع للحشد , هي المدخل لإقامة علاقة مباشرة بين الحلبوسي الأب والشهيد جمال المهنس , لتكون فيما بعد مدخلا للتقرّب من الشهيد قاسم سليماني .. حينها كان الحلبوسي الأبن عضوا في اللجنة المالية البرلمانية التي يترأسها المرحوم أحمد الجلبي .. ويشاء القدر أن يتوّفى الدكتور أحمد الجلبي ليصبح الشاب محمد الحلبوسي رئيسا للجنة المالية في مجلس النواب العراقي بدعم من قبل النواب الشيعة في اللجنة المالية , حينها كانت العلاقة بين رئيس الوزراء حيدر العبادي والحشد الشعبي قد وصلت إلى أسوأ مراحلها بسبب التضييق المالي الخانق الذي فرضه العبادي على موازنة الحشد والتي وصلت إلى الربع في السنة الأخيرة من ولاية العبادي .. وهذا مما ادّى إلى اتخاذ إيران قرارها بعدم إعادة تولية حيدر العبادي لرئاسة الوزراء لدورة ثانية مهما كان الثمن .. وعندما كان الصراع على أشدّه بين البناء والنصر لتحديد الكتلة الأكبر التي ستكلّف بتشكيل الحكومة الجديدة , أصبحت فرصة الحلبوسي للوصول إلى منصب رئيس مجلس النواب سانحة وعلى طبق من ذهب , وهو الذي كان يطمح أن يكون وزيرا للمالية كما يذكر ذلك الدكتور يحيى الكبيسي الذي كان عضوا في الفريق المفاوض لتشكيل تحالف البناء.. وتتسارع الأحداث لعقد اجتماع فندق بابل من قبل تحالف النصر الذي لم يحضره الحلبوسي ليقدّم له الفرصة الذهبية لبلوغ هذا الهدف الذي كان بالنسبة إليه حلما مستحيلا , ثمّ بعد ذلك وفي تلك الليلة الليلاء التي لم تغمض فيها عينيه , يرّن جرس هاتفه ليقول له ( الحسيني ) مبروك أنت ستكون غدا رئيسا لمجلس النواب ولكن بهذه الشروط .. هكذا اخترق هذا البعثي الصغير القيادة الإيرانية المسؤولة عن الملّف العراقي ويصل إلى رئاسة مجلس النواب في واحدة من أخطر الاختراقات التي تمّت في مرحلة ما بعد نظام صدّام .. سنتابع معكم في الأجزاء القادمة الاختراق الأخطر على مدى تاريخ الدولة العراقية ..
الجزء الرابع
لا أكره أحدا لكنّي أشعر بالمرارة والألم ..
أكاد أن أجزم أنّ الغالبية العظمى من أبناء الشعب العراقي الذين عانوا من الديكتاتورية والتسلّط والقهر والقتل والذّل والتشرّد والحروب العبثية , يشعرون اليوم بالمرارة والألم والخيبة لما وصلوا إليه من فساد وانحطاط وفقدان للأمانة والشرف .. في الأجزاء الثلاثة الماضية استعرضنا وإياكم كيف استطاع حزب البعث المحظور أن يخترق النظام الجديد ويتسلّل إلى كافة مناصب الدولة الحسّاسة المدنية والعسكرية والأمنية ويعود للحكم من خلال اختراق سليل البعث المجرم محمد ريكان حديد الحلبوسي , وأوضحنا كيف استطاع هذا النزق خداع الإيرانيين والعراقيين والوصول إلى رئاسة مجلس النواب العراقي التي جعل منها نقطة انطلاقه لاختراق كافة مؤسسات الدولة وخصوصا المؤسستين الأمنيّة والعسكرية , في ظل قيادة شيعية غبية وفاسدة ومنحرفة .. واستمرارا للمنهج الذي أعلنته بكشف أهم وأخطر الاختراقات لمناصب الدولة العليا , سأتحدّث اليوم إليكم عن واحد من أهمّ هذه الاختراقات لمناصب الدولة العليا التي مهدّت الطريق للاختراق الأخطر والأكبر في تأريخ الدولة العراقية الحديثة .. سنتناول معكم أيّها الأحبة في مقالنا لهذا اليوم قصة اختراق المخابرات البريطانية للقيادي في حزب الدعوة الأسلامية حيدر جواد العبادي وكيف تمّ تجنيده لاحقا من قبل المخابرات الأمريكية , معتمدين بذلك على أوثق المعلومات من جهات قيادية في حزب الدعوة على دراية كاملة بهذا الموضوع .. وقبل البدء في استعراض تفاصيل هذا الاختراق الذي مهدّ للمخابرات الأمريكية تجنيد العبادي ودفعه لقيادة انقلابه على زعيم حزبه غير العميل نوري كامل المالكي بالتعاون مع المكتب السياسي للحزب , حيث كان هذا الانقلاب بداية النهاية لحكم حزب الدعوة في العراق .. ولا بدّ لنا أن نستعرض للرأي العام العراقي كيف ومتى بدأت علاقة حيدر العبادي مع جهاز المخابرات البريطانية ..
وقصّة اختراق المخابرات البريطانية لبعض القياديين من حزب الدعوة في مجموعة لندن , تعود إلى مطلع ثمانينات القرن الماضي عندما كان العبادي هو وموفق الربيعي وآخرين في مجموعة لندن يرافقون المرحوم السيد مهدي الحكيم للتواصل المنتظم مع المخابرات البريطانية للتداول في شؤون المعارضة العراقية لنظام صدّام .. وقد يكون الأمر طبيعيا وذلك لأنّ الدولة التي تستضيف معارضة لنظام دولة أخرى , تتواصل مع ممثلين من تلك المعارضة .. لكنّ الملفت هنا هو أنّ قيادة حزب الدعوة التي كان مركزها طهران لم تعطي مثل هذا التخويل بتمثيل حزب الدعوة لأحد وخاصة السيد مهدي الحكيم الذي لا يستطيع ادعاء تمثيل حزب الدعوة لأنّه ليس عضوا فيه أصلا .. الأمر الذي دفع الحزب لإصدار بيان ينفي فيه هذا التخويل وهذا التمثيل , وقد سبّب ذلك مشكلة كبيرة بين قيادة حزب الدعوة والسيد مهدي الحكيم رحمه الله .. وبالرغم من حسّاسية هذا الموضوع إلا أنّي وجدت نفسي مضطرا للتحدّث فيه للرأي العام العراقي خصوصا أنّ موضوع تجنيد العبادي من قبل المخابرات البريطانية ليس أمرا مخفيّا على زعماء حزب الدعوة .. ولأنّ هذا الاختراق الخطير هو الذي مهدّ الطريق إلى الاختراق الأكبر والأخطر في تأريخ الدولة العراقية الحديثة , أصبح من اللازم والواجب علينا اطلاع الرأي العام والشعب العراقي على تفاصيل هذا الاختراق وكيف سهلّ الطريق لوصول عميل المخابرات الأمريكية مصطفى عبد اللطيف مشتت إلى رئاسة جهاز المخابرات الوطني العراقي , ومن ثمّ إلى رئاسة مجلس الوزراء .. في الجزء الخامس من هذا المقال , سنستكمل معكم أيّها الأحبة تفاصيل هذا الاختراق الخطير ..
الجزء الخامس
في الجزء الرابع من هذا المقال كنا قد أوضحا إنّ مرافقة حيدر العبادي وموفق الربيعي للمرحوم السيد مهدي الحكيم في لندن , الذي كان يلتقي مع المخابرات البريطانية للعمل من أجل إسقاط حكومة صدّام في ثمانينات القرن الماضي , كانت هي الباب الذي نفذت من خلاله المخابرات البريطانية لتجنيد بعض من قيادات حزب الدعوة الأسلامية الرخوّة المتواجدة في العاصمة البريطانية لندن , ومنهم القيادي حيدر جواد العبادي الذي أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء في الانقلاب الذي قاده مع أغلب قادة حزب الدعوة للإطاحة بزعيمهم نوري المالكي الفائز في الانتخابات , وهذا الاختراق لأهم منصب في الدولة هو الذي مهدّ الطريق للاختراق الأكبر في تأريخ العراق الحديث , ويبدو أنّ زعيم الحزب نوري المالكي الذي أطاحت به أمريكا في الانقلاب الذي قاده حيدر العبادي وعبد الحليم الزهيري وأعضاء المكتب السياسي الآخرون , هو لربّما من القادة القلائل في الحزب الذين لم تجندّهم المخابرات البريطانية أو الأمريكية ..
ارتباط حيدر العبادي المبّكر مع المخابرات البريطانية هو الذي سهلّ للمخابرات الأمريكية فيما بعد تجنيده وإيصاله إلى رئاسة الوزراء .. وخلال فترة وزارتي نوري المالكي الأولى والثانية , كان حيدر العبادي كثير التردّد على الولايات الولايات المتحدّة الأمريكية , وكان في كلّ هذه الزيارات يجري لقاءات سرّية للغاية مع المخابرات الأمريكية , من دون علم السفارة العراقية في واشنطن أو الحكومة العراقية , وكان حلقة الوصل في جميع هذه اللقاءات السريّة هو القنصل التجاري في السفارة العراقية ( نوفل أبو الشون ) الذي عيّنه العبادي مديرا لمكتبه بعد توّليه رئاسة الوزراء مباشرة .. وقصّة ارتباط حيدر العبادي مع المخابرات الأمريكية لا يحتاج إلى وثائق وأدّلة , لأنّ الحصول على مثل هذه الوثائق أمر مستحيل .. لكنّ سياسة حيدر العبادي التي اتجّهت بالكامل صوب أمريكا وإعادته القوات الأمريكة التي أخرجها المالكي إلى العراق مرة ثانية تحت غطاء المدربين والمستشارين , وتضييقه المالي على الحشد الشعبي تمهيدا لحلّه , واستجابته لضغوط أمريكا في تنفيذ العقوبات الاقتصادية على إيران , ومحاولاته عزل الشهيد أبو مهدي المهندس من قيادة الحشد الشعبي , وإصرار أمريكا على توليته لدورة ثانية , كلّها مؤشرات على ارتباطه الذي لم يعد مجرّد شّك مع المخابرات الأمريكية .. لكنّ الدليل الوحيد على هذا الارتباط والذي لا يقبل الشّك أبدا هو تعيينه المدعو مصطفى عبد اللطيف مشتت رئيسا لجهاز المخابرات الوطني العراقي , والذي أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء في العراق .. وهنالك من يقول أنّ رئاسة حيدر العبادي لمجلس الوزراء في العراق , لم تكن سوى المحطّة الأولى لوصول مصطفى عبد اللطيف مشتت عميل المخابرات الأمريكية والإسرائيلية إلى رئاسة مجلس الوزراء .. في الأجزاء القادمة إن شاء الله سنبدأ باستعراض الاختراق الأكبر في تأريخ دولة العراقية .