
محمد عبد الجبار الشبوط
الذين كانوا بعمري في عام ١٩٦٨ يتذكرون كيف كان صدام حسين حين استولت زمرة من البعثيين اليمينيين على السلطة بمعونة بعض ضباط القصر الجمهوري الذي كان يقيم فيه رئيس الجمهورية انذاك المرحوم عبد الرحمن عارف.
شاهد العراقيون صدام حسين لاول مرة وهو يقف في صف الحماية خلف رئيس جمهورية البعثيين احمد حسن البكر حاملا بندقيته وهو يلقي خطابا تلفزيونيا.
لا يمكن ان يكون الناس قد لفت نظرهم صدام، باستثناء الذين يعرفونه شخصيا، بطبيعة الحال. لكن بعد ١٠ سنوات تحول صدام الى اله يُعبد في جمهورية البعثيين، والحاكم المستبد لها، الذي لا يجرؤ احد من رفاقه ان يعارضه او يناقشه. ١٠ سنوات كاملة وصدام يبني دكتاتوريته لبنة لبنة حتى فاق فراعنة مصر في جبروتهم، فضلا عن غيرهم. وكانت الصورة، والافعال الاستعراضية، والاعلام، و المتملقون من الادوات التي اسهمت في تلك العملية المشؤومة.
في تلك السنوات، كان الناس يتفرجون على ما يقوم به صدام. قسم منهم اغرتهم شخصيته، وقسم منهم باعوا انفسهم له، وقسم منهم عارضوه بالقول او الفعل فانتقم منهم شر انتقام، وكثير منهم كانوا يهتفون له:"بالروح بالدم نفديك يا .....".
القصد من هذا السرد السريع ان اقول للقراء ان الدكتاتورية وعبادة الشخصية وتأليه الحاكم قد لا تظهر فجأة وبضربة واحدة، وانها قد تبدأ بخطوات صغيرة قد تبدو تافهة وغير مهمة وربما لا تلفت النظر، وتنمو تدريجيا الى ان تصبح قوية صلبة لا يمكن تحديها واسقاطها.
وهذا ما حصل مع صدام بحيث عجز الشعب العراقي عن اسقاطه، رغم انتفاضاته المتكررة واخرها انتفاضة اذار/ شعبان عام ١٩٩١. وقد تطلب الامر في اخر المطاف دفع ثمن غال لاسقاطه وهو احتلال البلاد عام ٢٠٠٣.
اليوم، كما اخشى وازعم، نشهد عملية مدروسة تدريجية لبناء عبادة شخصية جديدة، تمهد لحكم العراق بطريقة دكتاتورية استبدادية ذات غطاء ديمقراطي زائف. ويجري استخدام الصورة والمقاطع الفيلمية والحركات الاستعراضية بطريقة احترافية عالية لهذا الغرض. ومع ان الشخص الذي يجري تصنيعه لا يملك مؤهلات صدام الذاتية الا انه يبدو ان الرجل مستعد للقيام بتنفيذ طلبات الشركة المصنعة مما يجعله خيارا مفضلا.
ارجو ان اكون مخطئا، بيد ان احتمال ان اكون مصيبا وارد ايضا. لكني اكتب هذا بمثابة انذار مبكر، لتلافي الكارثة المقبلة قبل استفحالها. وحينذاك يكون من العسير التخلص منها والقضاء عليها الا بثمن عال جدا.