
محمد عبد الجبار الشبوط
لا يكفي ونحن نعيش ذكرى استشهاده، ان ننظر الى محمد باقر الصدر (١٩٣٥-١٩٨٠) بوصفه مرجعا للتقليد لدى المسلمين الشيعة، ولا مؤسسا لحزب سياسي، ولا مفكرا اسلاميا فذا، وان كانت هذه الصفات تنطبق عليه. لكن الاهم من ذلك ان ننظر اليه بوصفه احد ابرز رواد النهضة في العالم الاسلامي في القرنين التاسع عشر والعشرين، بل انه فاق من سبقه نضجا ومحتوى وفكرا. ذلك ان الشغل الشاغل لمحمد باقر الصدر، وقد ادرك حالة التخلف والتشتت والضياع والتبعية التي تعيشها مجتمعات العالم الاسلامي، هو النهوض بهذه المجتمعات وتحريرها من حالة التخلف الحضاري التي تعاني منها على المستوى الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني الخ. ولهذا لم يكن من باب الصدفة ان يبدأ طروحاته الفكرية بالحديث عن "الشرط الاساسي لنهضة الامة" وان يختمها بالحديث عن الدولة الاسلامية بوصفها "ضرورة حضارية"، وليس فقط ضرورة شرعية.
ولئن قال ان الشرط الاساسي للنهضة هو "توفر المبدأ الصالح"، فان المبدأ الصالح يتمثل عمليا بالمركب الحضاري القادر على انتشال الامة من براثن التخلف وتفجير طاقاتها لصنع نهضتها الجديدة. وبيّن ان المركب الحضاري القادر على تحقيق هذا هو ما كان منتزعا من صفات الله، كالعدل والعلم والرحمة والعفو، بوصفها اهدافا عليا للمسيرة الحضارية للمجتمعات الاسلامية. وبهذا استطاع ان يخرج الايمان بالله من دائرة العقيدة الباردة الى دائرة الفعل والحراك الحضاريين.
كل مؤلفات الصدر في الفلسفة والاقتصاد والاجتماع والسياسة والفقه والاصول والتاريخ وتفسير القران هي تجسيد لهذا الهم الحضاري الذي استحوذ على الصدر وهو يمارس العملية الابداعية في تجديد الفكر الاسلامي وانتاج الفكر الذي تحتاج اليه عملية النهوض الحضاري. وهذه هي القيمة الحقيقية للصدر، ولا قيمة لاستذكاره دون ان يتم استلهام فكره في استئناف المعركة ضد التخلف الذي يمثل علة العلل في كل المشكلات التي يعاني منها المجتمعات الموصوفة بالاسلامية. ولا خلاص من هذه المشكلات الا بالقضاء على التخلف والسير في طريق النهوض الحضاري المؤدي في النهاية الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق.
ان الاحتفاء بالصدر يتحقق اذا اصبحت اشكالية التخلف هما عاما، ومشروع النهضة اطارا للجهد المشترك.