
محمد عبد الجبار الشبوط
في مجتمع متخلف، يعاني من الفساد والدكتاتورية وتدني الانتاج وسوء التوزيع، نجد انفسنا في مواجهة سؤال مركزي وهو: اين تكمن العلة، في النظام التربوي للمجتمع ام في النظام السياسي له؟
طبعا، ليست غائبة عن الانظار الاهمية الكبيرة لكلا النظامين. النظام السياسي يتولى تنظيم علاقة الحكم بين الحاكمين والمحكومين وادارة الدولة والموارد وتنفيذ القانون. والنظام التربوي يتولى تعليم وتنشئة الاطفال حتى يصبحوا مواطنين راشدين.
وكلا النظامين مرتبطان بمنظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة، اي الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل، باعتبار ان هذه المنظومة تمثل مؤشرات السلوك وجوهر المحتوى الداخلي للمجتمع، فيما تمثل الانظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية الخ البناءات الفوقية للمحتوى الداخلي.
واذا كان النظام التربوي يتعلق ببناء المحتوى الداخلي للمجتمع، فان النظام السياسي يتولى الجانب الاجرائي له. ولهذا نجد ان الاصلاحات التربوية تكون بيد الحكومة، سواء ما حصل في فرنسا بعد ثورة عام ١٧٨٩، او ما يحصل في الدول الافريقية والاسيوية الصغيرة الان. مع اعدام اغفال ذكر الملاحظة التي سجلها غونار ميردال وهي ان اهتمام هذه الدول بالجانب التربوي كان اقل مما تتطلبه خطط التنمية باعتبار ان "التنمية عملية تربوية"، كما قال (١٩٧٠).
وبالتالي، فان ازمة قيادة المجتمع ستكون خاضعة للجانب السياسي، لكن الانساق السلوكية للحكام والمحكومين ستكون حتما متاثرة بالنظام التربوي. بمعنى ان الجانب الاجرائي، او القرار المتعلق بالاصلاح التربوي مرتبط بالقرار السياسي الذي يملكه الحاكمون. وهذا ما يجعلنا نتجاوز السؤال: اين العلة؟ كما نتجاوز السؤال: ايهما اولى في مسلسل التغيير؟ او السؤال ايهما اكثر اهمية النظام السياسي ام النظام التربوي؟ ونسلّم بوجود علاقة جدلية بين الطرفين. فالمحتوى عند النظام التربوي، والقرار عند النظام السياسي. وهذا ما قد يقود الى القول ان العملية التغييرية يمكن تسلك طريقين متوازيين لكنهما ملتحمان: الطريق الاول يقود الى تغيير النظام السياسي، والطريق الثاني يقود الى تغيير النظام التربوي. والامران مطلوبان، ايهما يحصل اولا سوف يساعد على تحقيق الثاني.