بين الحاجة والإهمال ... المصانع العراقية: أربعون ألف موظف فائض عن الخدمة
15-يناير-2023

تشكل المصانع العراقية رافعة حقيقية للاقتصاد العراقي في حال تفعيلها ووضعها في العمل فيما يرى مختصون أنها تشكل عبئا كبيرا على خزينة الدولة لأنها تستنزف رواتب عمال وموظفين معطلين عن الإنتاج بسبب تعطل تلك المعامل جراء التخريب والسرقة والإهمال.
يواجه قطاع الصناعة في العراق مشاكل كبيرة وقاسية منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003. إذ إن بغداد التي نجحت في تأسيس قطاع ضخم للصناعات حقق اكتفاءً ذاتياً في العديد من السلع، بمساعدة دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، تعاني اليوم من توقف آلاف المشاريع والمصانع التابعة للدولة بسبب التخريب أو السرقة والإهمال.
ويبلغ عدد المصانع في البلد نحو ستين ألف مصنع، منها ثلاثة واربعون ألف معطل. أما غير المسجلة فهي تقدر بنصف أعداد المصانع المسجلة أو أكثر بحسب إحصائيات أعلن عنها رئيس اتحاد الصناعات، عادل عكاب في تصريح سابق.
وكانت منتجات هذه المصانع تحظى سابقا بمقبولية لدى الشارع، وتسد حاجة السوق المحلية، وأسعارها تناسب دخل الفرد.
بدوره، أكد الباحث في الشأن الاقتصادي العراقي، حمزة الحردان، أن إهمال قطاعات الإنتاج واعتماد البلد على واردات بيع النفط العراقي والاتجاه نحو تعزيز الموازنات التشغيلية، قيّدت الاقتصاد العراقي وجعلته اقتصاداً يعتمد بشكل كامل على النفط بعدما كان القطاع الصناعي يشكل نسبة مهمة من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2003.
وأضاف الحردان أن أغلب الشركات الصناعية المملوكة للدولة شركات خاسرة، وتعتمد على موازنة الدولة في توفير التمويل ورواتب الموظفين، بسبب استمرار بعضها على الطرق القديمة في الإنتاج، التي تعتبر مكلفة مقارنةً بالوسائل الحديثة التي تعتمد التكنولوجيا الصناعية فيها.
وأكد وجود أعداد كبيرة من الموظفين تفوق حاجة الشركات الصناعية بنسب عالية جداً والتي تمثل أحد أوجه البطالة المقنعة في العراق، وشرح أن 80 في المائة من المخصصات السنوية للموازنة التشغيلية تُنفق على الرواتب ومستحقات الموظفين، فيما كان من المفترض أن تتجه هذه المبالغ للاستثمار في إعادة تأهيل المصانع وتحديثها.
أسباب إغلاق المصانع العراقية
وعن التأثير الاقتصادي لغلق المصانع العراقية، يذكر الخبير الاقتصادي الأكاديمي د. عبد الرحمن المشهداني، ان “غلق المصانع أثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي العام للبلد”.
مبينا ان “اغلب المصانع تم إيقافها بقرار سياسي، والبعض الآخر هو مدمر ومتروك”.
ويقول إن هناك “مافيات تجارية وطمعا لدى بعض الكتل السياسية بشراء هذه المصانع بعد ارهاقها، بسعر بسيط ورمزي، واستثمارها كأرض او بإنتاج مواد تعود إليهم بأموال هائلة”.
ويضيف المشهداني، انه “لم يكن هناك تنسيق مع الوزارات لغرض الاعتماد على المنتج المحلي، والتسويق له، والابتعاد عن الاستيراد الاجنبي، وهذا أيضا سبب في فشل وغلق هذه المصانع”.
بطالة مقنعة
ويرى المشهداني، أنه “كان من الممكن تشغيل المصانع العراقية، وما زال بالإمكان خاصة أن خطوط الإنتاج تم تحديثها في عام 2001، لكن السياسات الحكومية الخاطئة ساهمت في إفشال القطاع الصناعي من خلال ضخها لعشرات العاملين دون تقديم أي إنتاج، بالشكل الذي جعلها تبدو خاسرة”.
بدورها، تؤكد عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد العام لنقابات عمال العراق، سميرة الخفاجي “وجود بطالة مقنعة تتمثل بأعداد كبيرة من الموظفين تفوق حاجة الشركات الصناعية بنسب عالية جداً”.
لافتة الى ان “الاستمرار في دفع الرواتب من دون عمل يساهم في إرهاق موازنة الدولة وهدر الموارد المالية التي يمكن الاستفادة منها لبناء المدارس والمستشفيات والطرق والبنى التحتية”.
ضرورة تشغيل المصانع العراقية
وتوضح انه “إذا تم تفعيل المصانع العراقية فستتم الاستفادة من خبرات هذا الكم الكبير من الموظفين، كونهم منحوا تدريبات كثيرة في تخصصاتهم من قبل الدولة، بالإضافة الى نقل خبراتهم الى الأجيال الجديدة”.
مبينة ان هذه المصانع يجب ان تفعل بنفس المواصفات التي بنيت على أساسها”.
الاكتفاء الذاتي
وتابعت الخفاجي، “كانت معامل الأدوية والغزل والنسيج والألبسة والأسمدة والفوسفات ومصانع السكر ومصانع الإسمنت والحديد الصلب والصناعات الدقيقة، وأخرى للمواد الغذائية والألبان، تحقق الاكتفاء الذاتي، لكنها اليوم باتت عالة على الدولة التي تدفع رواتب الآلاف من موظفيها والعاملين فيها من دون أن يقوموا بأي عمل”.
وتردف سميرة الخفاجي، أن “اغلب الطاقات الشبابية هي عاطلة عن العمل، او يعملون خارج تخصصاتهم بمهن بسيطة جدا، وهذا ما يؤثر على دخل الالاف من العوائل”.
لافتة الى ان “هذه الطاقات يمكن ان يتم استيعابها وتشغيلها عن طريق إعادة تشغيل المصانع”.
وكانت وزارة الصناعة قد أعلنت عن وجود نحو اربعين ألف موظف فائض عن الخدمة، وصرحت بعجزها عن تأمين رواتب موظفيها. ووصفت نفسها “بشبكة الرعاية الاجتماعية”.
وقال وزير الصناعة والمعادن خالد بتال، ان “وزارة الصناعة باتت أشبه بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية فهي تدفع رواتب لأشخاص، لا ينتجون شيئا، وهذا أشبه بما يحصل عليه العاطلون عن العمل”.
واشار الى ان “واقع الصناعة مر جداً وهناك تركة ثقيلة جدا من تراكمات السنوات السابقة”.